إننا نرى في آيات الله السابق ذكرها دعوة من الله عز وجل لنا نحن المسلمون ولغيرنا من أبناء الأديان والنحل الأخرى أن نعقد المقارنات، ونجري الحوارات والمناقشات حول كيفية إنبات النبات في الأرض الجدباء المتشققة الخاشعة المتصدعة، وذلك بعد نزول المطر عليها، والنتيجة الحتمية التي سنصل إليها جميعاً هي أن الأرض ستخضر وتؤتي أكلها وتنبت فيها الحدائق الغناء ذات البهجة.
نعم إذن اتفقنا، وعليه فان خروجنا من مراقدنا يوم القيامة لن يكون أبعد ولا أصعب من ذلك، بل إنه لكذلك وبهذه البساطة واليسر. ولنستجلي معاً الحقيقة دعونا نتناول قضية البعث وإحياء الموتى من خلال عقد مجموعة من المقارنات والمقابلات، لعل هذا يرشدنا بشكل أبسط وأسرع لكيفية حدوثه، وإمكانية حدوثه أيضاً.
وهنا نطرح السؤال التالي، من أي شيء خلقنا الله؟ وما هو الوسط أو البيئة التي كانت فيها النشأة الأولي، للإنسان الأول؟، والإجابة قد لا يختلف عليها اثنان، نحن نبتنا من الأرض وخلقنا الله من تراب، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم وهو أصدق القائلين: ﴿ وهو الذي أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا﴾ ويقول تبارك وتعالي ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ﴾. إذن الوسط الذي نبتنا فيه هو الأرض والمادة التي خلقنا الله منها هي التراب.
وبالتحليل العلمي الدقيق لمكونات الأرض أو كما ذكر في الآية الكريمة "التراب" نجد أنه يحتوي علي مكونات معدنية مثل، الهيدروجين، النتروجين، الأوكسجين، الكربون، الكالسيوم، الصوديوم، الكلور، الماغنسيوم، اليود، الحديد، الفوسفور، النحاس، البوتاسيوم، السليكون، والكبريت.
وليس عجيباً أبداً أن يكتشف علماء الكيمياء التحليلية أن مكونات جسم الإنسان المعدنية تكاد تتطابق مائة بالمائة مع المكونات المعدنية للتراب. وليس مستغرباً أيضاً أن نجد تشابهاً بين المكون الصلب والسائل في كلاً من الأرض والإنسان، فنسبة اليابسة إلى الماء على كوكب الأرض هي29% يابس: 71% ماء، ويا سبحان الله فإن هذه النسبة تكاد تتطابق مع نسبة المواد السائلة إلى نسبة المواد الصلبة في جسم الإنسان البالغ، وكأن الإنسان (أي إنسان) ما هو إلا قطعة ممثلة لأصله الأرض، وكما أن الأرض لا تنبت زرعاًً ولا كلأً إلا في وجود الماء، فكذلك أبن الأرض - الإنسان - قد يعيش بدون طعام لمدة أقصاها أسبوعين ولكنه لا يمكن أبدا أن يعيش لأيام تعد على أصابع اليد الواحدة بدون الماء (إكسير الحياة).
أوجه التشابه بين الإنسان والنبات
الإنسان والنبات شقيقان فكلاهما نبت من الأرض، ومن الناحية التصنيفية الحديثة والتي تعتمد على تكنولوجيات الحامض النووي الريبوسومي فإن كلاً من الإنسان والنبات يقعان معاً تحت مجموعة الكائنات الحية حقيقية النواة (Eukaryota)، كما أن كلاً من الإنسان والنبات له دورة حياة - أي عمر - أقرها القرآن الكريم للإنسان في قوله عز وجل ﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج﴾ وقد ذكرها الله عز وجل للنبات أيضاً فقال في سورة الزمر﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب﴾ (الزمر 21).
كما أن احتياجات الإنسان الغذائية لا تختلف كثيراً عن احتياجات النبات، فربما تختلف من ناحية الشكل ولكنها تتشابه وتتطابق من ناحية المضمون، بمعني أن المكونات الأساسية لغذاء الإنسان والنبات واحدة لا تبتعد أبداً عن العناصر الغذائية التي ذكرناها في مكونات التراب المعدنية، كما يتشابه الهدف من عملية التغذية أيضاً، فالغرض الأساسي للغذاء هو الحصول علي الطاقة اللازمة ليمارس بها الكائن الحي نشاطاته الحيوية المعتادة مثل الغذاء والهضم والإخراج وغيرها.